1.
مفهوم
العبادة في الإسلام
العبادة اسم جامع لكل ما
يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وهي تتضمن غاية
الذل والحب. إذ تتضمن غاية الذل لله تعالى مع المحبة له وهذا االمدلول الشامل
للعبادة في الإسلام هو مضمون دعوة الرسل عليهم السلام جميعا وهو ثابت من ثوابت
رسالاتهم عبر التاريخ فما من نبي إلا أمر قومه بالعبادة، قال الله تعالى {وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا
إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[1]}
2. شمول العبادة
شمول
العبادة للحياة كلها: بناء على مفهوم العبادة في الإسلام يتضح لنا أن الحياة كلها
يمكن أن تكون مسرحا للعبادة ما دام غايتها إرضاء الله تعالى بفعل الخير والكف عن
الشر وبيان ذلك كما يلي:
1- إن الأعمال
الصالحة عموما والتي لم تصبغ بصيغة تعبدية بحتة يمكن أن تتحول إلى عبادة وذلك
بإصلاح النية لله تعالى وابتغاء مرضاته بذلك الفعل. قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (كل سلامى من الناس عليه صدقه: كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين اثنين صدقة
ويعين الرجل في دابته فيحمله أو يرفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وكل
خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة ويميط الأذى عن الطريق صدقة) .
2- إن عمل الإنسان في
أمور معاشه عبادة: شروط تحول هذه الأعمال إلى عبادة:
فقد رأى الصحابة رجلا فعجبوا من جلده
ونشاطه فقالوا لو كان هذا في سبيل الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن كان
يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في
سبيل الله وإن كان خرج على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج رياءً ومفاخرة
فهو في سبيل الشيطان)
3- إن الأعمال الغريزية يمكن أن تصبح عبادة بالنية الصالحة قال
النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يأتي شهوته من امرأته قال: (وفي بضع أحدكم
صدقة)وكذلك الحال في الأكل والشرب إن قصد بهما التقوي على طاعة الله تعالى، ويشترط
لجميع هذه الأعمال حتى تصبح عبادات يثاب عليها أن تتوفر فيها الشروط التالية:
أ- أن تصاحب جميع هذه
الأعمال النية الصالحة قال صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل
امرئ ما نوى)
ب- أن يكون العمل
مباحا في ذاته أما إذا كان منهيا عنه فإن فاعله يأثم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (إن الله تعالى طيب ولا يقبل إلا طيبا)
ت- أن يؤدي ذلك العمل
بإتقان وإحسان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)
(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)
ث- أن يراعى فيه
الضوابط الشرعية فيجتنب فيه الغش والظلم والفحش لقوله صلى الله عليه وسلم (من غشنا
ليس منا) وقال الله تعالى {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}
ج- ألا يشغله ذلك عن
واجب ديني قال الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ
أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}
3. الغاية من العبادة:
إن
الباعث الأساسي للعبادة هو استحقاق الله تعالى لذلك فنحن نعبد الله جل وعلا لأنه
مستحق للعبادة تحقيقا للغاية التي من أجلها خلق الإنس والجن كما قال الله تعالى
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} فهو المستحق الوحيد
للعبادة لعموم سلطانه على الكون وعظيم فضله على الخلق أجمعين. ومع ذلك يجب أن نعلم
أن الله تعالى غني عن العالمين فالعبادة لا تزيده ولا تنقصه مثقال ذرة لأنه غني
بذاته غنى مطلقا فلا يحتاج إلى شيء مما في الوجود بل كل ما في الوجود محتاج إليه
قال الله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ
وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}وعليه فإن ثمرة العبادة إنما ترجع إلى الشخص
العابد نفسه إذ هو المحتاج إلى الله تعالى والمفتقر إليه استعانة وتوكلا كما قال
تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا
يَضِلُّ عَلَيْهَا} .
ثمرات العبادة
أولا: تربية الروح
وتغذيتها:
ذلك أن الإنسان مكون
من مادة وروح فإذا كان العنصر الجسدي فيه يجد حاجته في العناصر المادية في الكون
من مأكل ومشرب وملبس وتناسل وغير ذلك فإن العنصر الروحي لا يجد إشباعا لحاجته إلا
بالقرب من الله تعالى إيمانا به واتباعا حتى يشعر بمعيته وذلك لا يتحقق إلا بالعبادة
سواء في الضراء أو في السراء كما قال الله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} {فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى
يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} .وقال تعالى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}
{وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} {فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فدل رسول الله على
التقرب إلى الله تعالى وتعبده.
ثانيا: تحقيق حرية
الإنسان:
فالعبادة تحرر المؤمن
من الخضوع لغير الله تعالى ومن الاستسلام للآلهة المزيفة فتصبح بذلك حرا طليقا من
سلطان سوى سلطان الله تعالى وبذلك يصل إلى شاطئ الأمان ويحس بالسكينة إلى الله
تعالى كما يجد قيمة كل أشياء العلم يحس بحريته أمامها جميعا فإن مصدر العزة إنما
هو اللجوء إلى الله تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ
جَمِيعًا} .
ثالثا: تمحيص المؤمن
بابتلائه بالعبادة إعدادا له للحياة الآخرة:
قال الله تعالى على
لسان موسى عليه السلام {يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ
وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} فالدنيا دار ابتلاء ومادة هذا الابتلاء
هي عبادة الله تعالى تحقيقا لأمره {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} .
رابعا: العبادة سبيل
لصلاح المجتمع:
بالنظر إلى العبادة
بمفهومها الشامل نجد أنها شاملة لكل أوجه الإصلاح الفردي والاجتماعي حيث إن كل عمل
يقوم به الفرد أو تقوم به الجماعة يدخل في إطار العبادة.وقد شرع الإسلام مبدأ فروض
الكفاية التي يراعي فيها صلاح الجماعة والمجتمع قال الله تعالى {وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي
الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} .
الاصلاح الاسلامي لعمةم البشر وأهم مبادئه
أولا: أنهلامعبودبحقإلاالله:
فقدجاءالإسلامأولماجاءبكلمةالتوحيدوهيكلمةالشهادةالتييصبحبهاالمرءمؤمناباللهورسولهلاإلهإلااللهمحمدرسولاللهوهذهالشهادةتعنيأنهلامعبودبحقإلااللهتعالىوبذلكقضىالإسلامعلىكلألوانالشركوالتيتناقضكلمةالشهادةومنأهمالوسائلالتيجعلهاحمايةللتوحيدمايلي:
- أنهجعلالشركسببالإحباطالأعمالوالخروجمنالدينقالاللهتعالىمخاطبارسولهصلىاللهعليهوسلم
{وَلَقَدْأُوحِيَإِلَيْكَوَإِلَىالَّذِينَمِنْقَبْلِكَلَئِنْأَشْرَكْتَلَيَحْبَطَنَّعَمَلُكَوَلَتَكُونَنَّمِنَالْخَاسِرِينَ}
.
- سدكلالذرائعالمفضيةإلىالشرك: فقدحرصالإسلامعلىسدكلمايؤديإلىالشركفقررفيذلكمايلي:
- أنالرسولصلىاللهعليهوسلمنهىعنتعظيمهوإطرائهبمايؤديإلىالغلوفيالاعتقادفيهفبينبأنهعبداللهورسولهفقال:
(لاتطرونيكماأطرتالنصارىعيسىابنمريمإنماأناعبدهورسولهفقولواعبداللهورسوله) .
- منعالاستغاثةبهصلىاللهعليهوسلمأوبأحدمنالصالحينفقدرويأنأحدالمنافقينكانيؤذيالمؤمنينفقالبعضهمقوموابنانستغيثبرسولاللهمنهذاالمنافقفقالالنبيصلىاللهعليهوسلم:
(إنهلايستغاثبيوإنمايستغاثبالله)
- أنهصلىاللهعليهوسلمنهىعناتخاذالقبورمساجدوحذرمنذلكأشدتحذيرحتىإنهصلىاللهعليهوسلمحينوفاتهظليرددالنهيعنذلكحتىتوفاهالموتقالصلىاللهعليهوسلم:
(إنهاشتدغضباللهعلىقوماتخذواقبورأنبيائهممساجد) .
-أنهصلىاللهعليهوسلمنهىعنالحلفبغيراللهلأنالحلفينطويعلىتقديروتعظيمللمحلوفبهفنهىأنيكونالحلفإلاباللهتعالىقالصلىاللهعليهوسلم
(منكانحالفافلايحلفإلابالله) وقال (منحلفبغيراللهفقدأشرك) .
- أنهمنعمنالذبحأوالنذرلغيراللهوعدذلكمنالشركقالصلىاللهعليهوسلم
(لعناللهمنذبحلغيرالله) .
ثانيا: تحريرالعبادةمنسلطانالكهنوت:
أ- ذلكأنالأديانالسابقةللإسلامبعدتحريفهااتخذرجالهاوسائلومراسيمكثيرةلميردبهاشرعاللهممامكنهممنالتسلطعلىرقابالعبادوالتأثيرعلىضمائرهمباحتكارالعبادةمماجعلالعبادلايستطيعونالاستقلالفيصلاتهمباللهتعالىإلاعبرتلكالوسائطوالمراسيمالتيتصبفيجيوبرجالالدينلذاجاءالإسلامبكلمايصلحذلكأويمنعهومنذلكأنهحررالضميرمنكلسلطانغيرسلطاناللهتعالىفالعلاقةباللهتعالىفيالإسلاممفتوحةلكلمؤمنبدونوسائطبلعداتخاذهؤلاءالوسائطمنالشركولوكانالوسيطمنالرسلالكرامعليهمالسلام.
وقدفتحاللهتعالىبابدعائهوأمرالمؤمنينبذلكفقال {وَقَالَرَبُّكُمُادْعُونِيأَسْتَجِبْلَكُمْإِنَّالَّذِينَيَسْتَكْبِرُونَعَنْعِبَادَتِيسَيَدْخُلُونَجَهَنَّمَدَاخِرِينَ}
وقالتعالىآمرارسولهصلىاللهعليهوسلم {وَإِذَاسَأَلَكَعِبَادِيعَنِّيفَإِنِّيقَرِيبٌأُجِيبُدَعْوَةَالدَّاعِإِذَادَعَانِفَلْيَسْتَجِيبُوالِيوَلْيُؤْمِنُوابِيلَعَلَّهُمْيَرْشُدُونَ}
أماالعلماءفإنمايكوندورهمالشرحوالبيانلأحكامالإسلاموشرائعهكماقالاللهتعالى {فَاسْأَلُواأَهْلَالذِّكْرِإِنْكُنْتُمْلَاتَعْلَمُونَ}
{بِالْبَيِّنَاتِوَالزُّبُرِ} .
ب- أنهحررالعبادةذاتهامنقيودالمكانوالزمان:
فتحالمكانكلهللعبادةكمافتحالطريقبينالعبدوربهقالاللهتعالى {وَلِلَّهِالْمَشْرِقُوَالْمَغْرِبُفَأَيْنَمَاتُوَلُّوافَثَمَّوَجْهُاللَّهِ}
وقالرسولاللهصلىاللهعليهوسلم«وجعلتليالأرضمسجداوطهورافأيمارجلمنأمتيأدركتهالصلاةفليصل»
. وهذهالقاعدةعامةلايخرجعنهاإلاالحجالذيخصبالبيتالحرامإحياءلذكرىإبراهيمأبيالأنبياءعليهمالسلامجميعاأماالزمانفقدجعلاللهتعالىلبعضالعباداتمثلالصلواتالخمسميقاتاقالاللهتعالى
{أَقِمِالصَّلَاةَلِدُلُوكِالشَّمْسِإِلَىغَسَقِاللَّيْلِوَقُرْآنَالْفَجْرِإِنَّقُرْآنَالْفَجْرِكَانَمَشْهُودًا}
وقالفيالحج: {الْحَجُّأَشْهُرٌمَعْلُومَاتٌ} أماماسوىذلككلهفكلهزمانللطاعاتالمطلقة.
ثالثا: التوازنبينالروحوالجسد:
إنممامستهالتحريفاتللأديانالسابقةعلىالإسلاممسألةالتوازنبينالروحوالجسدحيثغلتفئةوأفرطتفيشأنالروحبينماغلتالفئةالأخرىوأفرطتفيالجانبالماديأماالإسلامفقدتداركذلكحفاظاعلىجوهرالدينوالرجوعبهإلىصورتهالحقةالقائمةعلىالتوازنوجاءفيذلكبمبادئهامةمنها:
1- الاعترافالتامبأنلكلمنالروحوالجسدمتطلباتهالتييجبإشباعهاوالوفاءبهاقالصلىاللهعليهوسلم (إنلربكعليكحقاولنفسكعليكحقاولأهلكعليكحقافأعطكلذيحقاحقه)
وقالاللهتعالى {وَابْتَغِفِيمَاآتَاكَاللَّهُالدَّارَالْآخِرَةَوَلَاتَنْسَنَصِيبَكَمِنَالدُّنْيَا}
.
وعليهفقدشرعاللهتعالىمايشبعحاجاتالروحالمتمثلةفيعبادةاللهتعالىوطاعتهكماأباحمايشبعالجسدوذلكبإحلالالطيباتمنالرزق.
2- إنالإسلامجعلالحياةالدنيامزرعةللآخرةوجعلوظيفةالإنسانفيالأرضإعمارهابالصالحاتالتيتشملكلخيريقدمهالمؤمنلنفسهولمنحولهمنعمومالخلقفلاخصومةفيالإسلامبينالدينوالدنياولاتعارضبينالدنياوالآخرةبلالدنياميدانللعمللتحصيلالآخرةلذانجدأناللهتعالىيعلمعبادهأنيدعوهقائلين
{رَبَّنَاآتِنَافِيالدُّنْيَاحَسَنَةًوَفِيالْآخِرَةِحَسَنَةًوَقِنَاعَذَابَالنَّارِ}
.
رابعاالتيسيرودفعالحرجفيالعبادات:
فقدجاءالإسلامبشرائعهجميعاميسرارافعاللحرجالذيكانفيالدياناتالسابقةبلقدنصعلىذلكصراحةبقولهتعالى
{فَمَنِاضْطُرَّغَيْرَبَاغٍوَلَاعَادٍفَلَاإِثْمَعَلَيْهِ} .
القاعدةالثانية: المشقةتجلبالتيسيروفيهذهتدخلجميعالرخصالواردةفيالشريعةالإسلاميةمثلرخصالسفرمنجوازالفطرفيهفينهاررمضانوقصيرالصلاةوغيرذلكقالاللهتعالى
{يُرِيدُاللَّهُبِكُمُالْيُسْرَوَلَايُرِيدُبِكُمُالْعُسْرَ} .
No comments:
Post a Comment